المواطنة نيوز..
محمد تامر
في إطار الانفتاح التربوي للمؤسسات التعليمية على قضايا المجتمع، وسعياً إلى ترسيخ ثقافة الاحترام والتسامح داخل الوسط المدرسي، احتضنت إعدادية ابن ماجة لقاءً توعوياً نوعياً حول موضوع “العنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك العنف الرقمي والإلكتروني ومخاطره”، بتنسيق بين الإدارة التربوية للمؤسسة وولاية أمن عين الشق، ممثلة في شخص العميد بوزرزار، الذي قدّم عرضاً غنياً ومؤثراً أمام تلاميذ وتلميذات الإعدادية وأطرها التربوية والإدارية، وبحضور ممثلي جمعية آباء وأولياء أمور التلاميذ.
يأتي هذا اللقاء في سياق وطني ودولي متواصل لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، وهو جزء من سياسة تربوية شاملة تهدف إلى توعية الناشئة بخطورة السلوكيات العنيفة التي تهدد التماسك الاجتماعي وتسيء إلى صورة المجتمع المدني المتحضر. كما يندرج ضمن المقاربة الاستباقية التي تنتهجها المؤسسات التعليمية والأمنية في المغرب، والتي تقوم على مبدأ الوقاية قبل المواجهة، من خلال التحسيس والتربية على القيم الإنسانية والمواطنة الرقمية المسؤولة.
في مستهل اللقاء، قدّم العميد بوزرزار مداخلة موسعة تناول فيها مفهوم العنف بمختلف أشكاله، بدءاً من العنف الجسدي واللفظي وصولاً إلى العنف النفسي والرقمي، موضحاً أن هذا الأخير أصبح من أخطر التحديات التي تواجه الأسر والمدارس والمجتمع ككل في ظل التطور التكنولوجي المتسارع. وأشار إلى أن العنف الإلكتروني لا يقل خطورة عن العنف الواقعي، إذ يمكن أن يؤدي إلى أضرار نفسية واجتماعية بالغة، خاصة حينما يستهدف فئات هشّة مثل النساء والفتيات.
وأوضح أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت، رغم إيجابياتها، فضاءً قد يُستغل لنشر الإشاعات، والابتزاز، والتشهير، والتنمر، وهي كلها ممارسات تندرج ضمن خانة العنف الرقمي الذي يعاقب عليه القانون المغربي بصرامة، مستشهداً بعدد من الفصول القانونية المنصوص عليها في القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء.
ولم يقتصر العرض على الجانب القانوني فقط، بل تطرّق المتحدث أيضاً إلى البعد الأخلاقي والاجتماعي للظاهرة، مبرزاً أن محاربة العنف تبدأ من الأسرة والمدرسة والمجتمع المدني عبر التربية على الاحترام والمساواة، وتعزيز الثقة بالنفس، وغرس قيم الحوار بدل الصراع، والتواصل بدل القطيعة. وأكد أن التربية على المواطنة الرقمية أصبحت اليوم واجباً وطنياً، وأن وعي الشباب بحقوقهم وواجباتهم هو خط الدفاع الأول ضد السلوكيات المنحرفة التي تنتشر أحياناً في الفضاء الإلكتروني دون وعي بعواقبها القانونية والنفسية.
وقد تفاعل تلاميذ وتلميذات المؤسسة بشكل لافت مع مضامين اللقاء، حيث عبروا من خلال أسئلتهم ومداخلاتهم عن نضج فكري وإحساس بالمسؤولية تجاه هذه القضية التي تمس كرامة الإنسان. وساهم النقاش المفتوح الذي تلا العرض في إغناء اللقاء، إذ تناول المشاركون تجارب واقعية، ومواقف حياتية من البيئة المدرسية والإلكترونية على حد سواء. وأبدى العديد من التلاميذ اهتماماً كبيراً بمعرفة السبل القانونية لحماية أنفسهم من العنف الرقمي، وكيفية التبليغ عن أي إساءة أو تهديد يتعرضون له عبر الإنترنت، ما أضفى على اللقاء طابعاً تفاعلياً حيوياً أعطى لمبادرة التوعية بعداً عملياً واضحاً.
من جهتها، عبّرت إدارة المؤسسة عن اعتزازها بنجاح هذا النشاط التحسيسي الذي يندرج ضمن سلسلة من اللقاءات الهادفة إلى تكوين متعلمين مسؤولين، واعين بحقوقهم وملتزمين بواجباتهم تجاه مجتمعهم. وأكدت أن العنف، مهما كان نوعه، لا يمكن أن يكون وسيلة للتعبير أو وسيلة لحل الخلافات، وأن المدرسة لها دور محوري في زرع بذور السلوك المدني وتربية الناشئة على قيم التسامح والاحترام والمساواة. كما نوهت بالمجهودات التي تبذلها ولاية أمن عين الشق في مجال الانفتاح على الوسط التربوي، ومشاركتها الدائمة في مبادرات التوعية والتأطير، مما يعكس رؤية أمنية حديثة تعتبر المدرسة شريكاً أساسياً في تحقيق الأمن المجتمعي.
وفي ختام اللقاء، عبّرت جمعية آباء وأولياء أمور التلاميذ عن امتنانها العميق لرجال ونساء الأمن الوطني الذين لا يترددون في الانخراط في برامج التثقيف والتحسيس لفائدة الأجيال الصاعدة، معتبرة أن هذه الشراكات التربوية تمثل نموذجاً يحتذى به في التعاون بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني. كما تم تقديم كلمات شكر للعميد بوزرزار على حسن تأطيره، ولجميع الأطر الإدارية والتربوية التي ساهمت في إنجاح هذا اللقاء، الذي ترك أثراً إيجابياً واضحاً في نفوس التلاميذ والتلميذات، وأحدث صدى طيباً في أوساط الأسر والفاعلين التربويين.
لقد أبان هذا النشاط عن مدى وعي الجيل الجديد بخطورة العنف في جميع تجلياته، وعن استعدادهم ليكونوا فاعلين في نشر ثقافة اللاعنف، ومناصرين لحقوق المرأة والفتاة، وسفراء لقيم المواطنة الرقمية في محيطهم. ومن خلال هذا اللقاء، أكدت إعدادية ابن ماجة أنها لا تكتفي بتلقين المعارف الأكاديمية، بل تسعى إلى بناء الإنسان الواعي، المتسامح، والفاعل في مجتمعه، إدراكاً منها أن التربية الحقيقية تبدأ من غرس القيم قبل تلقين الدروس، ومن تكوين المواطن قبل تكوين التلميذ.
إن المبادرات من هذا النوع تبرهن على أن المدرسة المغربية قادرة على أن تكون فضاءً للنقاش الحر والمسؤول، وحاضنة للمواطنة الفاعلة، ومنبراً لنشر الوعي وحماية الشباب من الانزلاقات السلوكية والفكرية. ومع كل لقاء من هذا القبيل، يتأكد أن الرهان على التربية والتوعية هو الطريق الأنجع نحو بناء مجتمع متوازن، تسوده قيم العدالة والاحترام والمساواة بين جميع أفراده، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً