المواطنة نيوز
• محمد بوفتاس
تنمية الوعي العربي تُعدّ قضية محورية في مسيرة التقدم الحضاري والثقافي للأمة العربية، إذ أن الوعي هو الأساس الذي تُبنى عليه جميع الجهود الرامية إلى تحقيق التنمية الشاملة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومع ذلك، فإن هناك العديد من العوائق التي تقف حائلًا دون تنمية هذا الوعي، مما يؤثر سلبًا على قدرة المجتمعات العربية على التكيف مع التحديات المعاصرة ومواكبة التطورات العالمية.
أولى هذه العوائق تتمثل في الأنظمة التعليمية التي لا تزال تعاني من قصور كبير في مواكبة متطلبات العصر. فالكثير من المناهج التعليمية في العالم العربي ما زالت تعتمد على أساليب تقليدية تعطي الأولوية للحفظ والتلقين على حساب الفهم النقدي والإبداع. هذا النهج التعليمي لا يشجع الطلاب على التفكير الحر أو طرح الأسئلة، مما يؤدي إلى إنتاج أجيال تفتقر إلى القدرة على التحليل النقدي وحل المشكلات بشكل مبتكر. بالإضافة إلى ذلك، فإن ضعف الاستثمار في التعليم وعدم توفير البيئة المناسبة للبحث العلمي والابتكار يسهمان في تراجع مستوى الوعي العام.
ثانيًا، تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في تشكيل الوعي العام، ولكن في العالم العربي، كثيرًا ما تكون هذه الوسائل خاضعة لسيطرة حكومية أو لجهات ذات مصالح خاصة، مما يحد من حريتها في تقديم المعلومات بشكل موضوعي ومستقل. هذا الوضع يؤدي إلى انتشار الأخبار المغلوطة والمعلومات المضللة، مما يؤثر سلبًا على قدرة الأفراد على تكوين رؤية واضحة وصحيحة عن الواقع المحيط بهم. كما أن غياب الإعلام الحر والمستقل يحد من فرص النقاش العام البناء، الذي يُعدّ أساسًا لتطوير الوعي الجماعي.
ثالثًا، تعاني المجتمعات العربية من انتشار الأمية بمفهومها الواسع، والتي لا تقتصر فقط على عدم القدرة على القراءة والكتابة، بل تشمل أيضًا الأمية الثقافية والتكنولوجية. ففي عصر الثورة الرقمية، لا يزال جزء كبير من السكان العرب يعاني من نقص في المهارات الرقمية الأساسية، مما يحد من قدرتهم على الوصول إلى المعلومات والاستفادة من الفرص التي توفرها التكنولوجيا الحديثة. هذا النقص في المهارات الرقمية يعزز الفجوة المعرفية بين العالم العربي والدول المتقدمة، مما يؤثر سلبًا على مستوى الوعي العام.
رابعًا، تلعب العوامل السياسية دورًا كبيرًا في عرقلة تنمية الوعي العربي. ففي العديد من الدول العربية، لا تزال الحكومات تفرض قيودًا على الحريات العامة، بما في ذلك حرية التعبير وحرية التجمع. هذه القيود تحد من قدرة الأفراد على المشاركة الفاعلة في الحياة العامة والتعبير عن آرائهم بحرية، مما يؤدي إلى إضعاف الوعي السياسي والاجتماعي. كما أن انتشار الفساد في بعض الأنظمة العربية يسهم في تراجع الثقة بين المواطنين والحكومات، مما يعيق الجهود الرامية إلى تعزيز الوعي الجماعي.
خامسًا، تلعب العوامل الثقافية والاجتماعية دورًا لا يقل أهمية في عرقلة تنمية الوعي العربي. ففي بعض المجتمعات العربية، لا تزال هناك تقاليد وعادات تقيد حرية الفرد وتحد من قدرته على التفكير النقدي والإبداعي. هذه التقاليد قد تعزز الانقسامات الاجتماعية وتحد من فرص الحوار البناء بين مختلف الفئات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن انتشار الأفكار المتطرفة والخطابات الدينية المغلوطة يسهم في تشويه الوعي الديني والثقافي، مما يؤدي إلى تعزيز الانقسامات والصراعات الداخلية.
سادسًا، يعاني العالم العربي من ضعف في البنية التحتية الثقافية، مثل المكتبات العامة والمراكز الثقافية ودور النشر. هذا الضعف يحد من فرص الوصول إلى المعرفة والثقافة، خاصة في المناطق النائية والريفية. كما أن نقص الدعم الحكومي للأنشطة الثقافية والفنية يسهم في تراجع مستوى الوعي الثقافي والفني لدى الأفراد.
أخيرًا، لا يمكن إغفال دور العولمة وتأثيراتها السلبية على الوعي العربي. ففي ظل العولمة، أصبحت الثقافات المحلية تواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على هويتها وقيمها في مواجهة الثقافات الوافدة. هذا الوضع قد يؤدي إلى فقدان الهوية الثقافية وتراجع الوعي بالذات الحضارية، خاصة إذا لم يتم تعزيز الجهود الرامية إلى الحفاظ على التراث الثقافي العربي وتعزيزه.
في الختام، يمكن القول إن تنمية الوعي العربي تواجه العديد من التحديات التي تتطلب جهودًا متكاملة من جميع الأطراف، بما في ذلك الحكومات والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام والمجتمع المدني. فبدون تخطي هذه العوائق، سيكون من الصعب على العالم العربي تحقيق التقدم المنشود في جميع المجالات، مما يؤكد على أهمية العمل الجاد والمستمر لتعزيز الوعي كأساس لأي تنمية حقيقية.