وهم عودة حركة 20 فبراير؟

المواطنة نيوز22 فبراير 2019آخر تحديث : منذ 6 سنوات
المواطنة نيوز
أقلام وآراء
وهم عودة حركة 20 فبراير؟

بلال التليدي، كاتب وباحث مغربي


ذكرى 20 فبراير هذه السنة كانت مختلفة تماما عن سابقاتها في السنوات القليلة الماضية، فالشوارع في عدد من المدن المغربية، لاسيما الرباط، عرفت زخما احتجاجيا من الحركات الاحتجاجية، إلى الدرجة، التي بدأت فيه بعض التقارير الإعلامية تتحدث عن عودة حركة 20 فبراير، أو نضج شروط إحيائها، وأن المغرب يعرف تقريبا الاحتقان نفسه الذي برر خروج هذه الحركة إلى الوجود.
لا نريد أن نعود سنوات إلى الماضي، لنتوقف على أسباب تفكك هذه الحركة، وتعمق الخلاف بين مكوناتها، وكيف استقطبت صيغة «الإصلاح في إطار الاستقرار» التي دافع عنها العدالة والتنمية وقتها، الاهتمام، واقنعت بوجود إمكان لانتقال ديمقراطي سلس من غير حاجة إلى تقديم الاستقرار قربانا لهذه العملية.
لكن، فقط نريد التذكير، بأربعة سيناريوهات كانت مطروحة عليها حركة بعد انتخابات 25 نوفمبر 2011، التي فاز فيها الإسلاميون: الاستمرار في دعم الطابع الاحتجاجي للحركة وتأكيد هويتها كحركة اجتماعية تستوعب مجمل التعبيرات الاحتجاجية، أوالتحول إلى تعبير سياسي ذي طبيعة جبهوية، يضم الحساسيات التي تتقارب على مستوى بعض التوجهات السياسية، أو التحول إلى خيار جذري يطالب بإحداث تغيير في بنية النظام السياسي، أوالبقاء كضمير سياسي للشعب يمارس الضغط لمكافحة الفساد والاستبداد.

unnamed file  - المواطنة نيوز
للأسف، بعد مرور سنوات على افتراض هذه الخيارات، ظهرت المؤشرات التي تؤكد عدم قدرة هذه الحركة على السير في أي منها، وذلك بسبب عدم رغبة هيئات وتشكيلات في احتكار أو توظيف مطالبها الفئوية، وأيضا بسبب عدم رغبة هيئات مطلبية ذات طبيعة نقابية وحقوقية في تذويب إطاراتها أو الانتظام ضمن إطارات أخرى، كما اتضح أيضا فشلها في التحول إلى تعبير سياسي بسبب التناقضات الموجودة بين مكونات الحركة، سواء داخل اليسار الراديكالي نفسه، أو بينه وبين بعض مكونات الحركة الإسلامية والمجتمع المدني.

الجذوة التي أشعلتها المسألة الاجتماعية، وأطفأها الأمل في الإصلاح الذي مثلته توافقات ما بعد خطاب 9 مارس، عادت اليوم للاشتعال مرة أخرى، بعد أن أثبتت تحولات السياسة، محدودية الرهان السياسي الإصلاحي

اليوم، يبدو في الظاهر أن كل المؤشرات التي حالت دون تحقق أحد السيناريوهات الأربعة اجتمعت، فالنقابات التي نأت بنفسها عن هذه الحركة، وفضلت أن ترفع المطالب الفئوية بمعزل عن حراكها محتفظة بإطاراتها، نزلت للشارع، واتخذت من ذكرى 20 فبراير إضرابا وطنيا، والعدل والإحسان، التي أصدرت بيان الانسحاب من مكونات الحركة، قررت هي الأخرى الانضمام لفعاليات هذا اليوم، والتعبير عن انخراطها في فعل احتجاجي، فيما نزلت مكونات اليسار الراديكالية، كما بعض جمعيات حقوق الإنسان، تحيي هذه الذكرى كعادتها منذ سنوات، لتؤكد على استمرار خطها الراديكالي. عناصر المقارنة بين المرحلة التي أخطأت فيها حركة 20 فبراير خيارات بقائها حية، والمرحلة التي يتم فيها الحديث عن عودتها، تتركز في ثلاث نقاط: الأولى، وهي عودة المكونات التي شكلتها إلى الساحة، حتى بدون حد أدنى من التوافق، والثانية، وهي استثمار المسألة الاجتماعية ومحاولة جعلها مبررا لإعادة إحياء نفسها، والثالثة، وهي دخول تجربة الإصلاح في إطار الاستقرار، منطقة التردد والغموض.
لكن هل يكفي هذا الزخم الاحتجاجي للخروج لهذه الخلاصة السريعة بشأن عودة حركة 20 فبراير، وهل تكفي المؤشرات التي تم ملاحظتها لإنتاج هذه الخلاصة؟
البعض يكتفي بمؤشر نوعي، يستند إلى أن الحركة تم إعادة إحيائها من الجهة التي منها تفككت، أي أن المكونات التي أنتجت حججها لتبرير انسحابها من الحركة، عادت اليوم، لتؤكد انتظامها في الاحتجاج ، كرسالة رمزية على خطأ مقاربتها السابقة، واضطرارها بعد عدم تحقق مطالبها بعيدا عن زخم الحركة، للالتجاء والاحتماء بها، فيما البعض الآخر، يرى أن الجذوة التي أشعلتها المسألة الاجتماعية، وأطفأها الأمل في الإصلاح الذي مثلته توافقات ما بعد خطاب 9 مارس، عادت اليوم للاشتعال مرة أخرى، بعد أن أثبتت تحولات السياسة، محدودية الرهان السياسي الإصلاحي، والحاجة إلى الرجوع لوصفة حركة 20 فبراير.
والحقيقة، أن المؤشرات التي ظهرت، لا يسمح بهذه القراءات، فثمة، فرق كبير بين الانتظام في الحركة، وبين التهديد بها، فالنقابات التي أعلنت عن الإضراب العام، لا يعلم من سيرتها ولا من خطها، حصول هذا التحول لجهة الانتظام في خط حركة 20 فبراير، وإنما أقصى ما يمكن قراءته، من سلوكها أنها تحاول أن توظف هذا الرخم لتضغط به على الحكومة للنزول عند مطالبها في الحوار الاجتماعي بعد أن تلكأت في الاستجابة لمطلب توسيع الزيادة في الأجور لتشمل كل السلاليم، وتحمل الحكومة 4 في المائة من الاقتطاعات التي مست أجوار الموظفين على مدى اربع سنوات من جراء إصلاح صندوق التقاعد. أما جماعة العدل والإحسان، فخروجها، مرتبط بالجواب عن سلوك السلطة اتجاهها، بعد أن أقدمت على إغلاق ثلاث بيوت لأعضاء في جماعة العدل والإحسان ، واعتبارها ذلك مؤشرا للتصعيد ضدها، ومحاولة مواجهته سياسيا من بوابة النزول للشارع، واستثمار لحظة 20 فبراير للتذكير بدورها الحيوي في هذه الحركة وتحذير السلطة من الاستمرار في مواجهة الجماعة.
لكل هذه الاعتبارات، لا يمكن الجزم بعودة حركة 20 فبراير، ولا حتى الزعم بتوفر شروط إحيائها، فكل المعطيات المسجلة، تشير إلى وجود توظيف سياسي مختلف لهذا اليوم، ترجمه التعامل المختلف للسلطة مع نوع الاحتجاجات، فقد تعاملت مع الاحتجاجات النقابية بشكل سلس، وواجهت الأساتذة المتعاقدين كما جماعة العدل والإحسان بعنف شديد، في حين، ووفرت الحماية للتحركات التي وجهت ضد حزب العدالة والتنمية.
ولذلك، فالتفسير الذي نميل إليه، أن 20 فبراير، لم يعد فقط ذكرى لمكونات هذه الحركة تسترجع فيها تعاقداتها السابقة، وتبكي على فرصة تعتقد أنه خطفت من بين يديها من قبل العدالة والتنمية وبعض القوى الديمقراطية، وإنماأصبح فرصة للتوظيف، يشترك فيها الجميع، بما في ذلك الذين يتحركون بوحي من بعض الجهات لخلق شروط تغيير الوضع السياسي، ليس في اتجاه الإصلاح الديمقراطي والتوزيع العادل للثروة، كما كانت تنادي حركة 20 فبراير، ولكن في الاتجاه التمكين لدولة رجال المال والأعمال.

نقلا عن “القدس العربي”

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الأخبار العاجلة