بقلم د. العباس الوردي – أستاذ القانون العام – جامعة محمد الخامس- كلية العلوم القانونية، الاقتصادية والاجتماعية- السويسي الرباط
تشكل ظاهرة العزوف السياسي أحد أخطر المعضلات التي يعاني منها الجسم الانتخابي في مختلف بقاع المعمور ، غير أن نسبة استفحال هذه الآفة و تختلف من نظام سياسي إلى آخر، أمر لازال يؤثر سلبا على مواصلة البناء الديمقراطي في مجموعة من دول العالم وخاصة النامية أو السائرة في طريق النمو .
يعد المغرب من بين الدول التي انخرطت في مسار البناء الديمقراطي بصفة مباشرة بعد الحصول على الاستقلال سنة 1956، وهو ما تكرس من خلال الإعلان عن ميلاد أول دستور للمملكة لسنة 1962 وهو ما اشر على الرغبة الملحة لجميع مكونات المجتمع المغربي بأن لا مناص من دسترة الحقوق والواجبات من أجل مغربة الإدراة أولا ثم المضي قدما في بناء الورش الديمقراطي.
النظام السياسي المغربي هو نظام تعددي حزبي ، ما يستمد معه وجود تلاوين سياسية مختلفة تم تأسيسها بهدف تأطير المواطنات والمواطنين وهو ما تم التنصيص عليه في الفصل 7 بحيث: ” تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي،وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية. تُؤسس الأحزاب وتُمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون”
وبالتالي وانطلاقا من نص الفصل المشار إليه أعلاه نستشف بأن الدور التأطيري للأحزاب السياسية تجاه المواطن هي مسألة جوهرية ومقترنة بالمشاركة السياسية، وفي هذا المضار عرف المغرب جملة من المحطات الانتخابية التي أشرت على جملة من المعطيات والنسب الخاصة بالمشاركة السياسية، ومن بين نتائج هذه العمليات الانتخابية نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
§ انتخابات سنة 1993 والتي بلغت نسبة المشاركة فيها 62.75%؛
§ انتخابات سنة 1997 والتي انخفضت فيها نسبة المشاركة إلى 58.30% ؛
§ الانتخابات التشريعية لسنة 2002 والتي استمرت فيها نسبة المشاركة في الانخفاض حيث بلغت 52%؛
§ انتخابات سنة 2016 والتي كرست كذلك لتعاظم نسبة المشاركة بالمغرب إذ بلغت 43 في المئة.
ناهيك عن المعطيات التي تؤكدها تقارير المندوبية السامية للتخطيط ، والتي أكدت بأن نسبة العازفين عن العمل السياسي تبلغ أزيد من 70%، حسب إحصاءات المندوبية السامية للتخطيط.
إن التعرض لسرد مختلف هذه المعطيات لينم عن ضعف حقيقي لمنسوب الـتأطير الذي من المفترض في الأحزاب السياسية القيام به ، وذلك اضطلاعا منها بالأدوار الموكلة إليها بنص الدستور ، أمر نستخلص من خلاله جملة من المعيقات التي تشكل عثرة أمام التنظيمات السياسية من أجل بلوغ أهداف التأطير المقترن بالمشاركة السياسية لمجموع المواطنات والمواطنين ، ومن بين هذه السلبيات نذكر ب:
o أزمة المنافسة السياسية؛
o تشرذم المشهد الحزبي؛
o انسداد الأفق التنظيمي وإشكالية الديمقراطية الداخلية وتهميش الكفاءات.
كل هذه المشاكل لا زالت تمثل نقطة قاتمة في المشهد السياسي بالمغرب وبخاصة ضعف الثقة بين الناخب والأحزاب السياسية.
وبالتالي ، واعتبارا من استفحال ظاهرة العزوف السياسي بالمغرب ، فالكل منشغل بالبحث عن بدائل حقيقية من أجل الرفع من منسوبها عبر بوابة المشاركة السياسية ، أمؤ نتج عنه نقاش مستفيض بين كل المكونات الحزبية المغربية حول ماهية السبل الكفيلة بالنهوض بالمشهد السياسي المغربي عبر إصلاح المنظومة القانونية للعملية الانتخابية ، وفي هذا السياق تم اقتراح استبدال حساب القاسم الانتخابي على أساس عدد الأصوات بالقاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين ، أمر استوقف الكاتب وذلك من خلال تقديم رؤى عن مدى فعلية هذا المقترح الجديد في علاقته بإشكالية العزوف السياسي بالمغرب ، وفي هذا المضمار يمكننا القول بأن الحجية العملية لهذا المقترب وعلاقة بالظاهرة المدروسة تتمثل بالأساس في أنها تنطلق من نقطة إستراتيجية قوامها الرفع من المنسوب المتقهقر للمشاركة السياسية بالمغرب ، وذلك عبر تحفيز جميع المواطنات والمواطنات بضرورة الاضطلاع بعملية التصويت الذي يعتبر واجبا وطنيا ، ما مفاده بأن الناخب يستشعر مع هذا المعطى جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه ومن ثمة سيقوم لا محالة بواجبه الوطني والذي سيعبر من خلاله عمن يختارهم لتمثليه من أجل التعبير عن طموحاته بشكل واقعي ، ناهيك على أن هذه العملية الحسابية الجديدة ستمكن المشهد الديمقراطي المغربي من فتح الباب على مصراعيه من أجل تثبيت الخطوة الأولى حول إلزامية التصويت ، ذلك أن كفة الحقوق و الواجيات هي متلازمة ، وبالتالي فالاضطلاع بمهمة التصويت هو واجب وطني والتي تصل في بعض الأحيان إلى ترتيب غرامات وعقوبات الحرمان من الخدمات في حال التخلف عنها ، أمر أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر بحيث قررت إحالة ملفات أكثر من 52 مليون مواطن للنيابة العامة بعدما تخلفوا عن أداء واجبهم الدستوري في التصويت ، وهو نفس الأمر في كل من أستراليا ، كندا وبلجيكا ، ناهيك عن البيرو التي تصل إلى حد حرمان المواطنين غير المصوتين من الحصول على الخدمات فيما تصل بوليفيا إلى منع الراتب.
لأجل كل ما سبق ذكره، يمكننا القول بأن مواجهة ظاهرة العزوف السياسي بالمغرب في علاقتها مع مقترح احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين ستمكن من ترجمة إطار قانوني جديد على الساحة السياسية الانتخابية المغربية ، قوامه أن المواطنة لا تتجزأ ، وبأن الاستفادة من الحقوق لصيقة بالقيام بالواجبات ، وبالتالي فهذا التمرين ستكون له لا محالة نتائج إيجابية على المشاركة السياسية سواء من حيث الكم المرتبط بالرفع من نسبة المشاركة السياسية من جهة، أو من حيث النوع وذلك عبر فتح الباب أمام جميع مكونات الخريطة الحزبية والسياسية المغربية من أجل التنافس المبني على البرامج الفاعلة والناجعة.
التعليقات - “العزوف السياسي ورهان المشاركة السياسية: احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين نموذجا” :
عذراً التعليقات مغلقة