المواطنة نيوز
محمد تامر
يبدو من خلال بلاغ الديوان الملكي الصادر عقب المجلس الوزاري المنعقد يوم الأحد 19 أكتوبر 2025، أن مشروع قانون المالية لسنة 2026 يشكل منعطفا نوعيا في مقاربة الدولة لقضايا التنمية والنمو الاقتصادي. فالتوجهات العامة التي تم تقديمها أمام جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، تعكس وعيا متقدما بأن النمو الاقتصادي لا يمكن أن يُقاس فقط بالأرقام والمؤشرات الكمية، بل بجودته وأثره المباشر على حياة المواطنين.
إن المشروع، كما وردت ملامحه، يقوم على رؤية تجعل من جودة النمو معيارا أساسيا لنجاح السياسات العمومية، من خلال التركيز على تشغيل الشباب، ودعم الفئات الهشة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. هذه المقاربة الجديدة تؤشر على تحول تدريجي في منطق إعداد الميزانية، نحو الربط العضوي بين النمو الاقتصادي وفعالية الاستثمار العمومي والخاص، بما يضمن أثرا اجتماعيا ملموسا.
ويبدو هذا التحول جليا في الاختيارات المالية التي حملها المشروع، إذ تم تخصيص غلاف مالي ضخم يقدر بـ140 مليار درهم لقطاعي الصحة والتعليم، إلى جانب إحداث أكثر من 27 ألف منصب مالي جديد، وهي مؤشرات قوية على أن الإنفاق العمومي بدأ يتحول إلى استثمار في الرأسمال البشري، باعتباره المحرك الحقيقي للتنمية المستدامة. كما يتضمن المشروع إجراءات عملية لتحفيز الاستثمار الخاص، ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة عبر آليات جديدة للمواكبة التقنية والتمويل، وهو ما من شأنه خلق فرص شغل إضافية وتعزيز دينامية التشغيل للشباب والنساء.
وفي العمق، يكشف البلاغ عن مقاربة حكومية تسعى إلى تحقيق الانسجام بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والمجالية للسياسات العمومية. فرفع المخصصات الاجتماعية، ومواصلة برامج الدعم المباشر للأسر في إطار ورش تعميم الحماية الاجتماعية، وتفعيل عرض المغرب في مجال الطاقات الخضراء، كلها مؤشرات على انتقال تدريجي نحو نموذج تنموي أكثر توازنا وإنصافا، يدمج العدالة الاجتماعية في قلب الدينامية الاقتصادية.
إن مشروع قانون المالية 2026، بهذا المنظور، لا يقتصر على إعداد أرقام وموازنات، بل يقدم رؤية متكاملة لدولة اجتماعية منتجة، تراهن على جودة النمو وعدالته، وعلى جعل التشغيل والكرامة الاجتماعية محور الفعل العمومي خلال السنوات المقبلة. ومع ذلك، يبقى التنزيل الفعلي لهذه التوجهات مرهونا بتعزيز الشفافية والنزاهة ومحاربة الريع والفساد، باعتبارها شروطا ضرورية لتحقيق النجاعة وضمان النجاح الفعلي لهذا التحول المنتظر في السياسات المالية والاقتصادية لبلادنا.


















