المواطنة نيوز ، محمد تامر
مع نهاية سنة (1896) مطلع عهد المولى عبد العزبز ، سيحل بالمغرب الطبيب الفرنسي فيسجربر ، فقربته مهنته من دوائر المخزن المركزي ، ومن قيامه بعلاج الصدر الأعضم (باحماد) وبعد نهاية مهمته أصدر كتاب تحت عنوان ( على عتبة المغرب الحديث ) وسأستخلص منه الجزء المتعلق بالقائد السي عيسى بن عمر العبدي.
فكان قد استقر بمدينة الدارالبيضاء التي مارس فيها مهنته بجانب حلمه في أن يرى (المغرب)أكثر عدالة وأكثر رفاهية وأكثر حرية تحت كنف وحماية فرنسا . لقد ساهم فيسجربر كما ذكره بكتابه ، في إنجاز مشروع الحماية الفرنسية على المغرب من خلال الإختراق المسالم والهادئ الذي استبقها بعقد من الزمن ، كان كافيا له للتعرف بالمغرب وجذب الإنتباه إليه من جهة الفرنسيين .
لقد زاول فيسجربر (1868~1946) مهنة الطب في المغرب رفقة طبيبين،أخرين فقط ، كانا وقتها تحت دعم حكومتي مدريد ولندن ، وهي الوظيفة التي زادت حظوته ومكانته في مجتمع نهاية القرن التاسع عشر ، حتى قربته من دوائر المخزن المركزي ، حيث عالج في دجنبر 1897 الصدر الأعضم سي أحمد، بن موسى الشهير ب ( باحماد) ، وتقلب في العديد من (حركات،) السلطان المولى عبد العزبز الذي سيحييه وهو الفرنسي بالطريقة المخزنية صباح 21 يناير 1898 بعبارة (الله يبارك في عمر سيدي ) التي لن يجيب عليها السلطان سوى بابتسامة ونظرة نحو صاحبها .
ومع حلول سنة 1947 ، ستصدر اول طبعة من كتاب فيسجربر باسم (على عتبة،المغرب الحديث ) عن منشورات،(لابورت) ، وهو كتاب ينضاف الى باقي الأرشيف الشخصي لتاريخ المغرب الممتد على امتداد (15) سنة من المعاينة والمشاهدة الشخصية لفيسجربر ، شملت وضمت فترة حلم الحماية، وتحققها ، وقبلها اراد ان يدون وينقل ويكشف عن عناصر المغرب العميق الذي يعتبره بصيغة متحدث الجمع ب (صنعة فرنسية ).
وفي يوم 29 يوليوز 1912 سيدخل فيسجربر مرسى أسفي قادما إليها من موكادور على ظهر الباخرة ( لوفريبيان) من اجل مقابلة القائد السي عيسى بن عمر العبدي على ارض عبدة ومن داخل قصبته . وهي المقابلة التي ينقلها إلينا كاشفا عن مجموعة من التفاصيل في شخصية القائد وعن ظروف المخاض السياسي والعسكري الذي كان عليه المغرب ، وتبقى على كل حال شهادة مليئة بالقراءات وحاملة للعديد من عناصر الفهم الجديد .
يقول فيسجربر في كتابه : باسفي وجدت فيما يهم مهمتي ، توجيهات تكميلية يكمن إجمالها في ما يلي : التوجه الى مقابلة السي عيسى بن عمر، قائد عبدة في قصبته بمنطقة الثمرة ، للحصول على انخراطه الكلي في قضيتنا مع حفظ النظام ببلاد عبدة ،ودعوته الى استعمال تاثيره لنفس الغرض في مناطق الجوار ( دكالة~ احمر ~ حاحة~ شياظمة)، والحصول على تعاونه العسكري الطارئ والمحتمل في عمل مشترك مع كبار قواد الجنوب ضد الهيبة ، والتشاور مع قنصلنا باسفي وقائد طابور الشرطة في موضوع الإجراءات الواجب اتخادها في افق ضمان سكينة المنطقة البحرية للحوز . وأضاف فيسجربر ان
القائد عيسى بن عمر، الذي يقارب وقتها ( 70) سنة ، ينحدر من أسرة حجازية الأصول ، هو نمودج للسيد العربي الكبير : هيئة جميلة ونشيطة بوجه حروفه معقوفة وشيئا ما بني اللون ، إطار لحيته رمادية قصيرة ، وعلى الرأس عدة لفات لعمامة من حرير موصلي أبيض ، قامته متوسطة وبدون متقال زائد من الشحم، يظهر دائما ملتحفا في (حايك)بياضه نقي ، لقد كانت يداه ورجلاه الارستقراطيتان موضوع عناية بكثير من التدقيق والتدنيدق ، وبفعل معاناته مع داء المفاصيل ومن جرح قديم في الرجل ، كان يمشي بصعوبة ، لكنه يبقى مع ذلك فارسا شديد البأس لا تخيفه جولة راكبة على مسافة (100) كلم ، لقد عرف كمحارب وقناص كبير محب للخيل والسلاح والعدة الفاخرة وكلاب السلوقي وصقور الصيد .
بجانب هذا كانت أدواقه بسيطة وعاداته صارمة. حيث لا يبرح راقص او (شيخة) عتبة قصبته ، ودوره بفاس ومراكش . وبامتلاكه لطاقة ومجاملة كاملة ، كان صديقا وفيا وعدوا حقودا . سيخلف شقيقه الأكبر على قيادة البحاثرة أهم أقسام عبدة . ولما كان مولاي الحسن في السنوات الأولى من ملكه ، زوجه من إحدى أرامل والده سيدي محمد ، فكانت بداية حظوته عند البلاط المخزني .
ومع وصول المولى عبد العزبز إلى العرش في 1894 ، رفضت أسفي الإعتراف بالسلطان الشاب ، وهو ما فرضه عليها السي عيسى بن عمر بالقوة ، فكوفئ على ذلك بتمكينه من قيادة الربيعة والعامر بإضافتهما إلى نفوده على البحاثرة ، وهو ما مكنه من كافة بلاد عبدة ، وفيما بعد سيحكم أحمر ، وأخيرا مدينة أسفي.
ويضيف الطبيب الفرنسي فيسجربر في كتابه ( على عتبة المغرب الحديث ) : لقد تعرفت على السي عيسى بن عمر في سنة 1898 خلال (الحركة) الأخيرة للمولى عبد العزيز ضد القبائل الثائرة ، وكان وقتها في ذروة واوج قوته ، حيث يمتد إقطاعه من الوليدية إلى ما وراء تانسيفت ، ومن الشاطئ 60 كلم من مراكش . لكن تأثيره كان يتسع أبعد من هذا ليقارب أجزاء من دكالة والرحامنة وشيشاوة والشياضمة وحاحة .
لقد كان السي عيسى بن عمر أهم حاكم ترابي داخل الإمبراطورية الشريفة انطلاقا من صفاته الشخصية ومكانته وحظوته عند السلطان والصدر الأعظم باحماد ، فبالإضافة إلى قيمة خيالته الأكثر شهرة بالمغرب ،كان صاحب إقطاعة ووفيا في دفع خراج إخادته التي كانت تتبعه في كل رحلاته بمقدمة من الفرسان الذين كانوا يتمتعون بامتياز التخييم والعسكرة مع قبائل (الكيش).
وعندما لم يكن يحتفظ به بالبلاط او في (المحلة) ، كان يعيش ويقيم في قصبته بالثمرة على بعد 25 كلم من أسفي، وهناك كان يقود الحياة كسيد فيودالي كبير يحكم إقطاعه وينظر في العدالة ويحصل الضرائب ويدير الأراضي ويصيد الطير ويطارد القنيصة محاطا بأبنائه وإخوته وباقي أفراد عائلته وعبيده الذين كانوا يشكلون حرصا خاصا لا يقل عن 200 فارس يركبون أحسن خيول المغرب . هذه شهادة واقعية من أجنبي عاصر مراحل من حياة القائد السي عيسى بن عمر العبدي، على غرار مجموعة من المؤلفين الأجانب خاصة الفرنسيين منهم .في الوقت الذي تنكر له مجموعة من أهل الفن مخرجين وكتاب كلمات وملحنين ومغنين ، كلهم ساهموا بقصد أو عن غير قصد ، على طمس الحقائق والوقائع التاريخية لحقبة من تاريخ عبدة كان بطلها القائد الفد ( السي عيسى بن عمر العبدي ) من أجل ضمان مشاهدة كبيرة حتى وإن كانت على حساب كرامة هذه الشخصية ، حسب ما صرحت به موسسة حفدة القائد السي عيسى بن عمر العبدي للمواطنة نيوز.
كما طال النسيان قصبته الأثرية المصنفة كتراث وطني ، كما هو مضمن بالجريدة الرسمية عدد (2150) بتارخ (08 يناير1954) لكنه فقط على الأوراق، في الوقت الذي تنكر لها كل من له مسؤولية إدارية وقانونية وسلطوية ….فإلى متى سيستمر هذا النسيان والتهميش المقصودان لا محالة …؟؟؟…
حين زار الطبيب الفرنسي فيسجربر القائد الوزير عيسى بن عمر العبدي بقصبته .
