المواطنة نيوز
بقلم : محمد بوفتاس
تسرب الإسرائيليات إلى التراث الإسلامي لم يكن محصورًا في مجرد القصص والروايات الغيبية، بل تعدى ذلك ليطال الفقه الإسلامي وأحكامه التي تُنظّم حياة المسلمين اليومية. فبينما من المفترض أن يُبنى الفقه على القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة التي تعتمد على الأحاديث الموثوقة، نجد في بعض الحالات أن أحكامًا فقهية تأثرت بروايات وأفكار خارجية جاءت من التراث اليهودي والمسيحي، أو حتى من الفولكلور الشعبي، مما أضاف أبعادًا غير دقيقة أو مشوهة للشريعة الإسلامية.
تأثير الإسرائيليات ظهر في مواضيع متعددة، منها:
• الأحكام المتعلقة بالآخرة: حيث أُضيفت تفاصيل حول مراحل الحساب، وعذاب القبر، ووصف الجنة والنار من مصادر غير إسلامية، مما خلق تصورات مرعبة أو خيالية أثرت في نفوس الناس وزرعت لديهم مخاوف غير مبنية على نصوص صحيحة.
• الأحكام الجنائية والحدود: ففي بعض الفترات التاريخية، رُبطت العقوبات الشرعية بروايات تحتوي على مبالغات في وصف العقاب، مستمدة من روايات إسرائيليات، ما أدى إلى تشدد أو خشونة قد لا تتناسب مع روح الإسلام الرحيمة.
• الأحكام المتعلقة بالملائكة والجن: وصفهم أحيانًا بصورة مغايرة لما ورد في النصوص الإسلامية، ما أدى إلى سوء فهم دورهم وأثرهم في حياة الإنسان.
هذا الخلط بين الفقه الصحيح والقصص الخارجة عن النص الشرعي تسبب في مشكلات عديدة، أبرزها:
1. تشويه صورة الإسلام: حيث ينظر إلى الشريعة على أنها صارمة ومخيفة، تركز على العقاب والرعب بدلاً من الرحمة والعدل.
2. إرباك الناس: في كيفية تطبيق الأحكام الشرعية، إذ يختلط عليهم الأمر بين ما هو نص ديني صريح وما هو إضافة غير موثوقة.
3. تعزيز الخرافات: إذ تؤدي هذه الإضافات إلى بروز ممارسات غير شرعية تحت مسمى “دين”، مما يفتح الباب أمام الاستغلال والتضليل.
على سبيل المثال، روايات عن تفاصيل دقيقة ومخيفة لعذاب القبر أو وصف الملائكة ككائنات مرعبة، لا أساس لها في النصوص الإسلامية الصحيحة، لكنها انتشرت في المجتمعات وأصبحت جزءًا من الفهم الشائع. وهذا بدوره أثر على طريقة فهم الناس للفقه، فصاروا يرون العقاب الأبدية والرهبة أهم من الرحمة والتوبة.
من ناحية أخرى، ثمة حاجة ملحة إلى إعادة النظر في مصادر التشريع والفقه، والتأكيد على ضرورة العودة إلى النصوص الأصلية، مع دراسة تاريخية دقيقة تساعد في تفكيك الإضافات غير الإسلامية. كما يجب على العلماء والباحثين العمل على:
• توضيح الفارق بين الفقه الإسلامي الصحيح والموروث الشعبي.
• تقديم شرح مبسط للمفاهيم الدينية بعيدًا عن التعقيد أو الترهيب.
• التصدي للروايات غير الصحيحة التي تُستخدم لتبرير مواقف متشددة أو ممارسات خرافية.
باختصار، إعادة الاعتبار للفقه الإسلامي الأصيل هو السبيل لاستعادة صورة الدين في عقول الناس بشكل أكثر إنسانية، يعزز من القيم الرحمانية والعدالة الاجتماعية، ويبعدهم عن مخاوف لا مبرر لها. وعبر هذا الفهم الجديد، يمكن بناء مجتمع ديني متوازن قادر على التعامل مع تحديات العصر بثقة ووعي.